تصاعدت في السنوات الأخيرة الدعوات العالمية لمقاطعة إسرائيل، من هوليوود إلى الرياضة الدولية، حتى غدت الدولة العبرية مكروهة بين شباب العالم، بمن فيهم شباب الولايات المتحدة. ويشير الكاتب إلى أن أصواتاً متزايدة داخل أمريكا تعتبر إسرائيل عبئاً استراتيجياً يجرّ واشنطن إلى حروب إبادة، ويستنزف مليارات الدولارات كان يمكن توجيهها لقضايا أكثر إلحاحاً. ورغم ذلك، بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير آبه سوى بالبقاء في السلطة لتجنب السجن في قضايا الفساد، بينما يعيش صهاينة آخرون قلقاً بالغاً من خسارة إسرائيل معركة السردية العالمية.

يوضح موقع ميدل إيست مونيتور أن واشنطن وتل أبيب أعادتا استخدام تكتيك قديم يقوم على تحميل الضحية مسؤولية الكارثة، كما حدث في قمة كامب ديفيد عام 2000. الجديد أن هذا النهج جرى تغليفه بما سُمّي "خطة ترامب"، التي حازت دعماً سريعاً من ثماني دول مسلمة بارزة: قطر والإمارات وتركيا وإندونيسيا والسعودية وباكستان والأردن ومصر. وصف الكاتب هذا الدعم بأنه "خيانة كبرى لفلسطين"، لأن نتنياهو عدّل الخطة بدعم ضمني من ترامب، فألغى أي التزام بإقامة دولة فلسطينية، وأبقى الجيش الإسرائيلي محتلاً أجزاء واسعة من غزة مع فتح المجال لابتلاع الضفة الغربية.

تضمنت الخطة بنوداً صادمة، منها: إطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين قبل الإفراج عن أي فلسطيني، إنشاء مجلس سلام يرأسه ترامب ويضم توني بلير في موقع "نائب الحاكم"، قبول خطة ترامب للسلام عام 2020 التي قلّصت الأراضي الفلسطينية، تجريد حماس من السلاح عبر قوات "تثبيت الاستقرار" من الدول المسلمة المشاركة، إبقاء إسرائيل حق الفيتو على الانسحاب، مع غياب أي جدول زمني للانسحاب من غزة. كما حمّلت البنود الفلسطينيين مسؤولية "تهديد الجيران"، متجاهلة أن القانون الدولي يعترف بحق الشعوب تحت الاحتلال في المقاومة المسلحة.

أشار الكاتب إلى أن الخطة ليست خطة سلام بل إنذار نهائي يرغم الفلسطينيين على الاستسلام تحت وطأة الجوع والإبادة. ورأى أن قبول ثماني دول مسلمة بهذه البنود يمثل خيانة أشد فداحة من "اتفاقيات أبراهام"، لأنها تعطي إسرائيل غطاءً سياسياً لتصوير الفلسطينيين كالمعتدين. واستشهد المفكر الباكستاني إقبال أحمد قائلاً: "نعيش زمن الأوغاد… عصر الاستسلام والتواطؤ".

فسّر الكاتب دوافع هذه الدول بما يشبه "قطعاً من الفضة": حكومات فاقدة الشرعية تسعى لدعم ترامب للبقاء (مصر وباكستان)، أطماع جيوسياسية في سوريا (تركيا)، ووعود اقتصادية في "منطقة غزة الاقتصادية الخاصة" مع ضمانات أمنية أمريكية للخليج. لكنه اعتبر أن هذه المكاسب لن تدوم، وأن الأنظمة التي ترهن نفسها للخارج تضعف أكثر أمام شعوبها، بينما المشروع الصهيوني "إسرائيل الكبرى" سيبقى حجر عثرة أمام استقرار المنطقة.

ورغم أن المقاومة الفلسطينية لم تتلقّ دعماً حقيقياً من تلك الدول قبل ذلك، إلا أن قبول الخطة وضعها في مأزق أعقد: القبول يعني منح نتنياهو نصراً سياسياً بلا ضمان لوقف الإبادة، والرفض يتيح له استئنافها بدعم أمريكي وبغطاء إسلامي. وربما أفضل خيار – كما يقترح الكاتب – يتمثل في مطالبة الوسطاء بضمانات واضحة، وإن كان من المستبعد أن يقدمها ترامب أو نتنياهو.

ورأى الكاتب أن استمرار المقاومة حتى خروج نتنياهو من المشهد قد يفتح نافذة لفرض اتفاق يضمن انسحاباً إسرائيلياً كاملاً مع بقاء المقاومة قائمة. كما أشار إلى أن تعديل نتنياهو على الخطة قد يمنح الدول المسلمة فرصة للتراجع عن دعمها، والضغط من أجل وقف إطلاق النار وتوازن في الالتزامات، لتخفيف وصمة التواطؤ.

واختتم الكاتب بأن "حل الدولتين" صار وهماً ميتاً، إذ يصر نتنياهو على نفيه لكسب الشعبية داخل إسرائيل. وبغياب أي تدخل غربي جاد، لم يتبقَّ سوى خيارين نهائيين: إما قيام "إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات على أنقاض إبادة، أو بزوغ فلسطين حرة من النهر إلى البحر. وهنا يجد العالم الإسلامي نفسه أمام مفترق طرق: إما أن يوحد جهوده لنصرة فلسطين، أو أن يرضى بقرن جديد من المهانة تحت سطوة دولة استعمارية استيطانية تتوسع بلا رادع.

https://www.middleeastmonitor.com/20251001-the-grand-betrayal-of-palestine/